قال هيما «لقد أصبحت الفضائيات في رمضان نسخة من كارفور وهايبر وان، أصبحت المكان الذي ستجد فيه كل ما لا تحتاج إليه، للدرجة التي ستنسيك الأشياء التي كنت تحتاج إليها بالفعل، إنه الزحام الوحيد الذي يجبرك علي التورط فيه، وتذكر كم مرة خرجت من هذه المحال العملاقة تحمل بضائع لم تكن تبحث عنها».
قلت له: ألم تجد يا هيما في هذا الزحام شيئاً يستحق أن تقف به أمام الكاشير؟، فقال لي: في زحام الأيام الأولي اشتريت بعض التترات، أردد مع أيمن بهجت قمر « كان اللي يغلط علي راسه بطحه ..دلوقتي يا عينه يا جبايره.. عيني علي أهل كايرو»، لقد أصبح أيمن شاعراً يستحق مشروعاًِ أكبر من مجرد أغنية هنا وتتر هناك، واشتريت أيضاً من الخال الكبير عبد الرحمن الأبنودي «أجمل حاجة في الفرح ..بينسي الكبير سنه.. وأجمل حاجة في الحزن.. الحكمة بتيجي منه»، لقد قال الأبنودي في أربعة أسطر ما قد نقضي العمر كله في اكتشافه، واشتريت أغنية إعلان اتصالات هدية لزوجتي.
سألته عما لفت نظره وقرر أن يتابعه من المسلسلات، فقال لي: يالك من أحمق قالش آخر خمستاشر حاجة.. سؤالك يذكرني بالصحفيين الذين يبدأون في ثاني أيام رمضان مدح المسلسلات أو ذمها، يضيع الكاتب من عمره شهوراً في كتابة المسلسل وبعد أول عشر دقائق منه يضع الصحفي الأنكل فوق إلركبة ويكتب بضمير صافٍ أن المسلسل أسخف من الحركة اللي عملها جدو مع احمد حسن مكي في ماتش الكونغو عندما خطف الكرة من علي قدم زميله ليحرز هو الهدف بنفسه، يركب الصحفي علي مجهود الكاتب باستهانة شديدة مثلما ركب جدو علي كرة مكي.
قلت له لكن حسن شحاتة كان سعيداً بالهدف وصفق لجدو، فقال لي: مين اللي قال لك إن تصفيق شحاتة كان لجدو؟ إحنا المصريين ناخد بالظاهر دائماً ولا نري المشهد من وجهة نظر أوسع، يقال مثلا إن رئيس الجمهورية هو الذي يفرض حالة الطوارئ.. عمرك أخدت بالك أن حالة الطوارئ هي التي فرضت رئيس الجمهورية؟، نردد دائماً أن التعليم مجاني ..عمرك أخدت بالك أنه «ماحدش بيتعلم ببلاش» ؟، يردد المثقفون أن المتهم بريء حتي تثبت إدانته ..عمرك أخدت بالك أن شغلانة الميديا بكل فروعها قائمة علي فكرة الإدانة أولا علشان نعمل السوكسيه ثم البراءة تيجي علي مهلها ؟، قلت له: في كلامك إدانة لبعض الإعلاميين، فقال لي: من حقي كمواطن صالح أن أدين أم أي حد يستحق الإدانة، قلت له - وكان الانفعال قد تملكه -: إيزاي يا عم هيما ..رمضان كريم، فقال لي: رمضان عظيم ولكن هل يرضيك أن تتخذ إحدي القنوات شعارا أنها شاشة تأخذك للجنة ؟، بعد أن أهلك الأنبياء والرسل أنفسهم وذاقوا الذل والعذاب بدون مقابل ليرشدوا الناس لطريق الجنة أصبح الطريق إليها سهلا بضغطة زر تثبتك أمام دعاة يجلسون في التكييف ويأخذهم مدير الإنتاج علي جنب بعد انتهاء الحلقة ليعكمهم المبلغ المحترم ..ده كلام؟
قلت لهيما: معلش واضح إن الصيام تعبك، فقال لي: الصيام هو العبادة الأرقي، تخرج الزكاة فتري الفرحة في عيون المحتاج فتحصد راحة أضعاف أضعاف المبلغ الذي أخرجته، تصلي فيشهد لك الجميع بأنك شخص محترم وبتاع ربنا، تحج فتظل بقية حياتك تحظي بلقب يميزك عن الجميع ويمنحك هيبة ما، كل العبادات تجني ثمارها أولا بأول، لكن الصيام لن تري ثماره بين يديك.. ستجني ثمارا تشبه في حلاوتها ومشقتها ثمار الحب من طرف واحد.. والحب من غير أمل أسمي معاني الغرام علي رأي فريد الأطرش.
قلت له: أحب فلسفتك يا هيما لكن هل يمكنك أن تتخلي عنها قليلا وبلاش تخبرني عن المسلسلات التي ستتابعها ..كلمني عن البرامج، فقال لي: من حق المشاهد أن يرفض متابعة برنامج لا يحبه.. لكن ماذا أفعل في برنامج لا أحبه ويتابعني هو منذ سنوات؟، قلت له: برنامج إيه ؟، قال وملء عينيه دموع: برنامج الرئيس الانتخابي.